قدم العرب منذ سنوات مبادرة للسلام بعد أن أعلنوا أن السلام خيارهم الاستراتيجي والوحيد، وحاولوا الترويج لهذه المبادرة وتأكيدها في كل محفل، بل شكلوا لجنة لتفعيلها، ولم تجد المبادرة أي..
قدم العرب منذ سنوات مبادرة للسلام بعد أن أعلنوا أن السلام خيارهم الاستراتيجي والوحيد، وحاولوا الترويج لهذه المبادرة وتأكيدها في كل محفل، بل شكلوا لجنة لتفعيلها.
ولم تجد المبادرة أي صدى لدى الكيان الصهيوني، رغم أنها تقدم له التطبيع الكامل مقابل انسحابه من الأراضي المحتلة.
والتطبيع الكامل هو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني، وما تضغط باتجاهه الولايات المتحدة، ولكنه يريد الحصول على هذا التطبيع من دون مقابل حتى لو كان هذا المقابل جلاء الاحتلال عن أرض محتلة يفرض القانون الدولي ضرورة الجلاء عنها.
ودارت السنوات بالمبادرة العربية للسلام، وهي خارج سياق الفعل، فالفعل هو للممارسات العدوانية الصهيونية التي تستبيح الأرض الفلسطينية والعربية وتنتهك الحق الفلسطيني والعربي، وهذا الفعل يمثل محاربة للسلام.
لا ضير لدى الكيان الصهيوني أن يلوّح بالسلام بين آونة وأخرى، وأن يدخل بالمفاوض الفلسطيني في ردهات مفاوضات لا تفضي إلى أي محصّلة سوى العبثية، واستثمار الوقت في بناء المزيد من المستعمرات الصهيونية وابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية.
إن الكيان الصهيوني منذ قيامه على الأرض الفلسطينية، وهو يمارس العدوان، ويستمرئ الممارسات العدوانية بحكم أنه مشروع استعماري عنصري، يقوم على اغتصاب الأرض والحق. ولا يمكن لمثل هذا المشروع أن يكون ساعياً إلى السلام.
فهو عدواني بطبيعته ولا يعتمد وجوده إلا على العدوان. ولذلك فليس من المستغرب أن يكون محارباً للسلام، وأن يستبيح الأرض، وينتهك الحق، ويعتبر ذلك مباحاً له، ولا يكترث بالقانون الدولي والشرعية الدولية لأن سياقهما يخالف سياقه.
وممارسات الكيان الصهيوني العدوانية وجرائمه المتواصلة هي انتهاك للقانون الدولي والشرعية الدولية، وكل هذه الممارسات هي حرب على السلام.
وعلى الحقوق الفلسطينية والعربية، وعلى القانون الدولي والشرعية الدولية، ولا يمكن أن يلتقي هذا النهج العدواني مع أي نهج للسلام، بل لابد أن يكون محارباً لأي نهج حقيقي للسلام الحقيقي.
ولعل السنوات الطويلة التي أمضاها الطرف الفلسطيني في المفاوضات بعد أن ألغى بنوداً من ميثاقه، وضحّى أو تنازل عن قدر من مطالبه، قرباناً للسلام الذي ينشده، لم تثمر إلا العبثية وضياع الوقت.
بينما الكيان الصهيوني يستثمرها في قضم الأرض الفلسطينية، وانتهاك الحق الفلسطيني ليزيد رقعة احتلاله للأرض الفلسطينية، وليوصد السبل أمام أي أمل للدولة الفلسطينية، وربما لا تبقى بقية من أمل لأي سلام ينشده الفلسطينيون والعرب.
ورغم التلويح بسحب المبادرة العربية للسلام بين وقت وآخر، فإن الكيان الصهيوني لم يتغير موقفه قيد أنملة، ولم يعر اهتماماً لهذا التلويح بسحب المبادرة التي لم يعرها أصلاً أي اهتمام منذ البداية.
وفي الوقت الذي تمسك فيه العرب والفلسطينيون بالمبادرة وعضّوا عليها بالنواجذ، ولم يتخلوا عنها، ولم ينفذوا تهديدهم بسحبها، دأب الكيان الصهيوني على محاربة السلام بممارساته العدوانية.
وهكذا تمسّك العرب والفلسطينيون بمبادرة السلام، وتمسّك الكيان الصهيوني بمحاربة السلام، ولا يمكن لهذين النقيضين أن يتلاقيا في أي معادلة للسلام.
ومع الربيع العربي ران الصمت على المبادرة العربية للسلام، كما أن عملية السلام ذاتها توقفت بسبب الصلف الصهيوني وإصرار الكيان على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية، رغم الرغبة الأمريكية في التجميد المؤقت، ورغم الحوافز المغرية له للقبول بذلك.
ولعل الربيع العربي لا يتوافق حراكه الشعبي الفاعل، مع السلام بمنظوره الصهيوني الأمريكي، ولا يتوافق مع التعلق العربي غير المبرر بالمبادرة التي تجاهلها الكيان الصهيوني أصلاً، ولم تعطها الإدارة الأمريكية اهتماماً.
ولعل الربيع العربي يسدل الستار على المبادرة بعد أن تردد النظام الرسمي العربي في إسدال الستار عليها، وانتهت وإن لم يصدر قرارٌ بإنهائها.
ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الكاتب: أسامة عبد الرحمن
المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية